أبعاد تصاعد “صراع المليشيات” في غرب ليبيا

هشاشة السلطة:

أبعاد تصاعد “صراع المليشيات” في غرب ليبيا



فشلت حكومة “الوحدة” الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة في معظم الملفات التي تبنتها تقريباً، خاصة الملف الأمني الذي انهار بشكل كامل بفضل سياسة الاعتماد على المليشيات المسلحة، التي تزايدت أعدادها في غرب ليبيا، إلى الدرجة التي أصبح التنافس فيما بينها سبباً في الاحتكاكات والصراعات المسلحة بين حين وآخر. وبقدر ما تحمل هذه الصراعات من مؤشرات على التدهور الأمني، وتنافسية القوى وخاصة في غرب ليبيا؛ بقدر ما تُنبئ عن أبعاد لها “دلالات متعددة”، سواء بخصوص محاولة السيطرة على العاصمة طرابلس، أو توجيه بعض الرسائل من حكومة الوحدة إلى أنصار النظام السابق، هذا فضلاً عن الخلاف الذي بدأ يتصاعد بين مليشيات مصراتة، وبين إصرار الدبيبة على الاستمرار في السلطة.

إن المعارك الأخيرة التي شهدتها العاصمة الليبية طرابلس، كجزء من الصراع على السلطة، بين قوات الردع الخاصة، وبين اللواء 444 قتال، لها أكثر من دلالة، لعلّ أهمها ما يلي:

دلالات متعددة

1- محاولة تنحية الدبيبة عن السلطة في طرابلس: تبدو هذه المحاولة بوضوح من خلال بيان “اتحاد ثوار مصراتة”، في 29 أغسطس الماضي، الذي طالب فيه الاتحاد بـ”إسقاط حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وتشكيل حكومة تسييرية تُشارك فيها كل مكونات الشعب، وتكون ذات اختصاصات محددة لمدة زمنية معينة”.

واللافت أن الاتحاد، عبر بيانه هذا، لا يرفع من سقف الخلاف مع الدبيبة كـ”شخص”، بل يُطالب بتنحية الحكومة كاملة، وإسقاطها؛ وهو ما يُعبر عن إشكالية لها تداعياتها ودلالاتها على مستقبل العلاقة بين مليشيات مصراتة، ومليشيات طرابلس. إذ أكد الاتحاد في بيانه أنه “غير معترف بحكومة الوحدة الوطنية”، مؤكداً أن السبب في ذلك يعود إلى “أن الحكومة لم تقم بالمهام المنوطة بها، وهي الإعداد للانتخابات وصياغة الدستور”، فضلاً عن الإشارة إلى أن “التركيبة الموجودة اليوم على الساحة الليبية، والمتمثلة في الجهات التشريعية والتنفيذية، لا تُمثل إرادة وطموح الشعب الليبي، بل هي تخدم مصالحهم”.

2- مساعي السيطرة على العاصمة طرابلس: ولعل ذلك ما يتضح عبر التناحر العسكري، الذي تم بين اللواء 444 قتال، وبين قوات الردع الخاصة التي يقودها عبد الرؤوف كارة، بعدما تم اعتقال قائد اللواء محمود حمزة، بحضور عبد الحميد الدبيبة، في مطار معيتيقة بالعاصمة طرابلس، أثناء توجه الأخير إلى مدينة مصراتة لحضور عرض عسكري.

والملاحظ أن عبد الرؤوف كارة أراد توجيه رسالة إلى الدبيبة، رئيس الحكومة المنتهية الولاية، بأنه على علم بمساعيه لتشكيل قوة عسكرية كبيرة يُمكنها السيطرة على العاصمة طرابلس، وإنهاء أي عقبة أمام حكومته لإحكام هذه السيطرة، عبر مقاتلي اللواء 444. ومن ثمّ كان اعتقال محمود حمزة بمثابة التأكيد على أن قوات الردع الخاصة، التابعة للمجلس الرئاسي الليبي، ستظل مُسيطرة على المطار الوحيد في العاصمة، وجزء كبير من طرابلس.

بهذا، تبدو الدلالة الرئيسية في أن حكومة الدبيبة لا تحاول فقط السيطرة على العاصمة طرابلس، ولكن أيضاً أنها ليست معنية بأي حل سياسي يُساهم في حلحلة الأزمة الليبية، بقدر اهتمامها بالبقاء في السلطة أطول فترة ممكنة.

3- توجيه رسائل حكومية إلى أنصار النظام السابق (القذاذفة): رغم الهدوء النسبي والترقب الحذر، الذي ساد مناطق مُتعددة من طرابلس، بعد الإعلان عن تسليم محمود حمزة إلى جهة أمنية محايدة؛ إلا أن الاعتقال كان يستهدف ما هو أبعد من توجيه رسالة إلى الدبيبة وحكومته.

فمن حيث ما يتردد عن قُرب عبد الرؤوف كارة، قائد قوات الردع الخاصة، من الولايات المتحدة الأمريكية، التي تُعول عليه في مكافحة الإرهاب؛ فقد كان الاعتقال نابعاً من مخاوف من إمكانية إجراء اتصالات بين قائد اللواء 444 قتال، وبين أطراف مُقربة من سيف الإسلام القذافي وروسيا، خاصة أن تلك المخاوف ترتكز على سفر محمود حمزة في مرات عديدة خارج البلاد، وتواصله مع عددٍ من الشخصيات المحسوبة على النظام السابق.

وعبر هذه الرسائل المتواصلة، والصراعات بين المليشيات المسلحة، في إطار اختلاف توجهاتها اقتراباً من القوى الدولية الكبرى، المتنافسة على الساحة؛ لا يمكن استبعاد أن تكون الصراعات الأخيرة يقف وراءها إيعاز من هذه القوة الدولية أو تلك.

4- استمرار الاستقرار الهشّ والتنافس بين المليشيات المسلحة: إذ يُثير القتال الأخير في طرابلس، خاصة أنه امتد إلى العديد من مناطق العاصمة، تساؤلات حول الدرجة التي يؤثر بها عدم الاستقرار في عموم الغرب الليبي. فهذا القتال يعكس حالة “الاستقرار الهش” في العاصمة، التي تُسيطر عليها مليشيات مسلحة متنافسة، في ظل العجز الواضح للسلطات التنفيذية عن ضبط الأمن داخلها.

ولعل ضعف الاستقرار هذا يتأكّد عبر ملاحظة التنامي الكبير لأعداد المليشيات المسلحة، وتنافسها على السلطة والنفوذ في غرب ليبيا. وهنا، يكفي أن نشير إلى تقرير خبراء الأمم المتحدة المعني بليبيا، الذي كان قد نُشِر قبل أكثر من عامين، في مارس 2021، والذي أكد على أن عدد المليشيات “المجموعات المسلحة التي تعمل خارج إطار القانون” في المنطقة الغربية، وتحديداً في طرابلس ومصراتة، يصل إلى 50 مليشيا، ويصل عدد أفرادها إلى ما بين 120 – 200 ألف مقاتل.

وأشار التقرير، الذي ورد في 555 صفحة، إلى بعض هذه المليشيات، مثل: كتيبة النواصي، والأمن المركزي، وعبد الغني الككلي الشهير بـ”غنيوة” الذي يقود جهاز ما يسمى “دعم الاستقرار”، وكذلك قوات “الردع الخاصة” بقيادة عبدالرؤوف كارة، مؤكداً على أن نفاذ هذه المليشيات المسلحة داخل مؤسسات الدولة أكسبها شرعية غير مستحقة، وحصلت من خلالها على مناصب حكومية نافذة.

وضع مضطرب

في هذا السياق، يمكن القول إن الاشتباكات المتكررة التي تشهدها العاصمة الليبية (طرابلس) بين حين وآخر تُظهر مدى الضعف الذي تبدو عليه السلطة التنفيذية، المتمثلة في حكومة الوحدة الوطنية المنتهية الولاية، التي يترأسها عبد الحميد الدبيبة. بل إن هذا الضعف أمام المليشيات المسلحة التي تنامى عددها، واكتسبت قوة ونفوذاً، خلال الأعوام السابقة، يتواكب مع محاولات الدبيبة نفسه الاحتماء بهذه المليشيات لأجل الاستمرار في السلطة أطول فترة ممكنة.

ولعلّ مما له دلالة بهذا الخصوص ذلك الاحتمال الذي مؤداه أن المواجهات المسلحة الأخيرة التي شهدتها طرابلس، يمكن أن يكون قد تم الإعداد لها من جانب الدبيبة وفريقه بهدف محاولة تبيان أن ليبيا ما تزال غير جاهزة لأي تغيير سياسي وأي استحقاقات انتخابية، ومحاولة إثبات أنه من الأفضل إعطاء فرصة لحكومته لإيجاد الحلول الملائمة، على الأقل في مواجهة ما تشهده دول الجوار الجغرافي الليبي من تغييرات كبرى.

إطار تعريفي

أبرز المليشيات المنتشرة في غرب ليبيا

٭ اللواء 444 قتال: تابع لمقر قيادة عمليات مصراتة، وكان يقوده محمود حمزة قبل أن يتم اعتقاله من جانب قوات الردع الخاصة، وتتوزع وحداته على مناطق رئيسية في طرابلس، وتحديداً في منطقة صلاح الدين، وأيضاً على طريق الشوك، لضمان الأمن. وكان اللواء في الأصل فرقة تدعى “20-20” يرأسها اللواء محمود حمزة، بعد أن انفصل عن قوات الردع الخاصة. وبعد أن دخلت الحرب ضد الجيش الليبي، بقيادة المشير خليفة حفتر، في منتصف يونيو 2019، لصد الهجوم على طرابلس، تحولت إلى اللواء 444 قتال، الذي أصبح يتمركز في معسكر التكبالي جنوب العاصمة طرابلس.

٭ قوات الردع الخاصة: يقودها عبد الرؤوف كارة، وهي قوات تابعة للمجلس الرئاسي الليبي، وهذه القوات من أكثر المليشيات المثيرة للجدل في غرب ليبيا، حيث بدأت مهمتها الأساسية لمواجهة الجريمة وتهريب المخدرات، ثم توسعت مهامها لاحقاً. وتتخذ القوات من “مجمع معيتيقة” في شمال طرابلس مقراً لها؛ حيث تسيطر على المطار المدني الوحيد في العاصمة، والقاعدة الجوية والمستشفى العسكري. وقد امتد نطاق ونفوذ هذه القوات، وصارت تسيطر على مؤسسات حيوية، مثل: مصرف ليبيا المركزي، والمؤسسة الوطنية للنفط، ومبنى الإذاعة والتليفزيون بزاوية الدهماني.

٭ مليشيات مصراتة: تعد أكبر قوة في مدن الغرب الليبي، ويُقدر تعدادها بأكثر من 17 ألف مقاتل، وتمتلك آلاف العربات المسلحة ومئات الدبابات وعشرات الطائرات العسكرية، إضافة إلى مخازن للأسلحة؛ حيث تتلقى دعماً من تركيا وتحوز على ثقة مسؤوليها لاعتبارات أيديولوجية. ويمتد نفوذها من مدينة السدادة شرقي مصراتة بحوالي 80 كم إلى مدخل العاصمة طرابلس، وتحديداً عند مدينة القرابللي. وهي مليشيات لها طابع عقائدي متطرف، حيث تدين بالولاء للمفتي المعزول صادق الغرياني، المعروف بتحريضه على قتال الجيش الليبي. وتضم تحالفاً من مليشيات: لواء الصمود، وكتيبة الحلبوص، والقوة الثالثة شاريخان، وكتيبة الطاجين، ومليشيا 166؛ وكلها موالية لتركيا التي توفر لها أسلحة ثقيلة.