أبعاد العملية الأمنية لـ”قسد” في دير الزور

أهداف أربعة:

أبعاد العملية الأمنية لـ”قسد” في دير الزور



أطلقت قوات سوريا الديمقراطية “قسد” (27 أغسطس 2023)، عملية أمنية تحت مسمى “تعزيز الأمن” في المناطق الخاضعة لسيطرتها في محافظة دير الزور، شرقي نهر الفرات، دون تحديد المدى الزمني لإنهائها. ورغم أن إعلان “قسد” أن العملية الأمنية تأتي لمواجهة نشاط مجموعات وخلايا تنظيم “داعش”، إلا أن البيان تضمن توسيعاً فعلياً لأهداف العملية الأمنية، وتتضمن عمليات التمشيط لعدد من البلدات والقرى، والقبض على عدد من العناصر المطلوبة، في ظل ما تشهده مناطق سيطرة “قسد” من اضطرابات أمنية خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الفائت.

اضطرابات متصاعدة

تشهد مناطق سيطرة ونفوذ “قسد”، حالة من الاضطرابات المتصاعدة على أكثر من مستوى، في توقيت متزامن، إضافة لبعض التحركات من قبل الولايات المتحدة، والتي برزت بصورة كبيرة بداية من الأسبوع الأخير من شهر أغسطس الفائت، واستمرت حتى طلع شهر سبتمبر الجاري، وأبرزها:

1- اتساع رقعة المواجهات مع مجموعات عشائرية: لعل المتغير الرئيسي الذي تسبب في أزمة داخل مناطق شمال شرقي سوريا، هو المواجهات مع مجموعات عشائرية عربية، موالية لـ”مجلس دير الزور العسكري”، ورغم أنها كانت في نطاق مناطق سيطرة “قسد” في دير الزور، إلا أنها كانت متسعة لجهة تعدد مناطق المواجهات وعدم اقتصارها على منطقة محددة، بما يعكس حجم الاضطرابات في دير الزور.

ووفقاً لتقارير إعلامية فإن “قسد” دفعت خلال الأيام الأخيرة من أغسطس ومطلع شهر سبتمبر بتعزيزات عسكرية في مناطق المواجهات، وتمكنت من السيطرة على بعضها مثل بلدة الصبحة، التي شهدت اشتباكات بين الطرفين، مع اندلاع مواجهات في بلدة البصيرة، قبل تمكن “قسد” من السيطرة على أجزاء منها.

2- مناوشات مع الفصائل الموالية لتركيا: رغم أن المناوشات بين “قسد” والفصائل المسلحة الموالية لتركيا، تحدث بين حين وآخر؛ إلا أنها جاءت متزامنة مع حالة الاضطرابات الداخلية في مناطق سيطرة الأول، بما يزيد من التحديات التي تواجهها.

إذ استمرت المواجهات بين الطرفين في محافظة حلب، وتحديداً في محيط منطقة منبج، مع عمليات قصف مدفعي للفصائل الموالية لتركيا، كغطاء لمحاولات التسلل إلى تلك المنطقة، وما يزيد من تعقيدات الأزمة ما أشار إليه “المرصد السوري لحقوق الإنسان”، من قصف طيران روسي لمواقع تمركزات تلك الفصائل.

3- تعزيزات عسكرية أمريكية إلى سوريا: وفي سياق الاضطرابات التي تشهدها مناطق شمال شرقي سوريا، والتي تمثل مناطق تمركزات وقواعد التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الأخيرة دفعت بتعزيزات عسكرية عبر رتل عسكري قادم من إقليم كردستان بالعراق، ليضم نحو 30 شاحنة، محملة بمواد لوجيستية وعسكرية وكتل خرسانية.

ورغم أن هذه التعزيزات تدخل إلى مناطق شمال شرقي سوريا بصفة شبه منتظمة، لتلبية احتياجات القواعد العسكرية المنتشرة؛ إلا أن توقيت التعزيزات الأخيرة يأتي متزامناً مع الاضطرابات في شمال شرقي سوريا.

أهداف متداخلة

ويمكن الإشارة إلى أهداف العملية الأمنية التي أطلقتها قوات “قسد” في مناطق سيطرتها بمحافظة دير الزور، كالتالي:

1- منع توظيف “داعش” للاضطرابات الأمنية: بالنظر إلى الهدف الرئيسي من إطلاق العملية الأمنية، وهو مواجهة عناصر تنظيم “داعش”، في ظل الأوضاع المضطربة في مناطق “قسد”، فإن العملية الأمنية تشمل في أحد جوانبها، مواجهة احتمالات توظيف تنظيم “داعش” لهذه الاضطرابات، وتكثيف النشاط العملياتي في شمال شرقي سوريا، وتحديداً في نطاق سيطرة “قسد” بمحافظة دير الزور، خاصة أن تلك المحافظة عادة ما تشهد محاولات من التنظيم لبسط النفوذ على بعض القرى والبلدات، وفرض إتاوات على المجتمعات المحلية هناك.

وربما تسود تخوفات لدى “قسد” من انعكاسات عمليات التمشيط الموسعة التي يجريها الجيش السوري والمليشيات الإيرانية الموالية، بدعم من القوات الروسية، التي كثفت من عمليات القصف الجوي على مواقع وتمركزات عناصر التنظيم، عقب تصاعد النشاط العملياتي لـ”داعش”، في مناطق سيطرة النظام السوري، في منطقة البادية خلال شهر أغسطس، إذ إن مجموعات التنظيم قد تلجأ إلى التسلل لمناطق نفوذ “قسد”، هرباً من عمليات القصف الجوي والتمشيط الموسعة، بما يضاعف طبيعة التهديدات الأمنية بالنسبة لمناطق شرق الفرات.

وهنا، فإن بيان “قسد” لإطلاق العملية الأمنية، تضمن التأكيد على مشاركة التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة، دون الإشارة إلى طبيعة دور قوات التحالف.

2- جزء من استنفار أمني موسع يشمل الحسكة: يواكب العملية الأمنية في دير الزور، حالة استنفار أمني لـ”قسد” في محافظة الحسكة، تتضمن نشر الحواجز الأمنية وتسيير الدوريات، إذ ربطت تقارير إعلامية هذه الخطوة بحالة عصيان لعناصر “داعش” في سجن غويران، وتمكن بعضهم من الفرار، خاصة وسبق لمجموعات التنظيم محاولة اقتحامه في يناير 2022 لتحرير عناصر “داعش”.

ورغم نفي المتحدث باسم “قسد” فرار عناصر من “داعش” أو وجود حالة عصيان في السجن المشار إليه، إلا أن حالة الاستنفار الأمني التي شملت تكثيف الوجود الأمني في محيط السجون ومقرات احتجاز عناصر “داعش”، ربما ترتبط بتخوفات من محاولات التنظيم لتحرير عناصره، في ظل الأوضاع المضطربة التي تشهدها مناطق شمال شرقي سوريا خلال الأسبوع الأخير من شهر أغسطس.

وفي هذا السياق، تشير بعض التقارير الإعلامية إلى هجوم مسلحين يستقلون دراجتين ناريتين على قوات “قسد” في ريف الحسكة الجنوبي (27 أغسطس 2023)، يُرجح أنهم من خلايا تنظيم “داعش”.

3- احتواء تداعيات المواجهات مع العشائر بدير الزور: اللافت في توقيت إطلاق العملية الأمنية في محافظة دير الزور، أنها تأتي في أعقاب اندلاع مواجهات بين “قسد” ومسلحين من العشائر الموالين لما يُعرف بـ”مجلس دير الزور العسكري”، وهي مواجهات اتسعت لتشمل محاولات سيطرة الطرف الأخير على عدد من الحواجز الأمنية التابعة لـ”قسد”.

ورغم محاولات وجهاء العشائر في محافظة دير الزور خفض حدة التوتر والتصعيد بين الطرفين، من خلال اجتماعات بين الطرفين، في حضور ممثلين عن التحالف الدولي لمواجهة “داعش”، بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أنّ المواجهات تجددت بين حين وآخر وسط تأكيد بعض وجهاء العشائر، مثل شيخ عشيرة قبيلة البكارة نواف البشير، استمرار ما وصفوه بـ”تطهير دير الزور” من أكراد جبل قنديل، بما أسفر عن حالة من عدم الاستقرار الأمني الموسعة.

وربما كانت العملية الأمنية في دير الزور، محاولة لاحتواء الوضع المضطرب بفعل المواجهات المسلحة.

وفي سياق الوضع المضطرب في مناطق سيطرة “قسد”، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى اندلاع مواجهات مسلحة بين مجموعات عشائرية في محافظة الحسكة.

4- ملاحقة وضبط العناصر الإجرامية: لم تتوقف العملية الأمنية على ملاحقة عناصر تنظيم “داعش”، وإنما تمتد لتشمل العناصر الإجرامية في محافظة دير الزور. فوفقاً لبيان “قسد”، فإن العملية تهدف بخلاف ملاحقة عناصر “داعش”، إلى “تعقب المجرمين الذين ارتكبوا المظالم بحق السكان وإنفاذ القانون، إضافة إلى ملاحقة المهربين الذين يتاجرون بلقمة عيش الأهالي”.

وأشار بيان “قسد”، لإعلان نتائج اليوم الثالث من العملية الأمنية، إلى القبض على اثنين من تجار المخدرات، لحيازتهم كمية من المواد المخدرة.

أزمة مركبة

وبشكل عام، فإن “قسد” تواجه عدداً من التحديات في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” بشمال شرقي سوريا، لعل أبرزها توتر العلاقات مع مجموعات مسلحة للعشائر العربية في تلك المناطق خلال الفترة الفائتة. ورغم إشارة بعض التقارير إلى فرض “قسد” السيطرة على بعض مناطق المواجهات، إلا أنه لا يمكن الجزم بانتهاء الأزمة، رغم محاولات التدخل من قبل “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة.

وفي حين ساد الهدوء في بعض مناطق المواجهات بين الطرفين في دير الزور، إلا أن الاشتباكات يمكن أن تندلع مجدداً، وهي فرصة مناسبة لتنظيم “داعش” لاستغلال هذه الاضطرابات الأمنية الموسعة لتنفيذ عملياته، إضافة إلى احتمالات توسيع قاعدة التجنيد خلال الفترة المقبلة، حال استمرار الأزمة بين “قسد” وبعض أبناء العشائر العربية بشمال شرقي سوريا.