أبعاد العمليات العسكرية الجزائرية لملاحقة الإرهابيين

تحديات متعددة:

أبعاد العمليات العسكرية الجزائرية لملاحقة الإرهابيين



يواصل الجيش الجزائري عملياته لملاحقة العناصر الإرهابية على عدة اتجاهات، وكان آخرها الإعلان عن الاشتباك مع عناصر إرهابية جنوبي البلاد، وتحديداً في ولاية “إن قزام” الحدودية مع النيجر، في (28 يناير 2022)، وأسفرت المواجهات عن مقتل جنديين والقضاء على إرهابيين اثنين، وفقاً لوزارة الدفاع الجزائرية. وتمكنت قوات الجيش الجزائري من مصادرة رشاش ثقيل عيار (12.7 ميليمتر)، وقطعتي سلاح (كلاشينكوف)، وسيارة رباعية الدفع، وكمية من الذخيرة من مختلف العيارات، بما يعكس محاولات مستمرة لمواجهة أي تهديدات أمنية.

حجم التهديدات

لم يقدم بيان وزارة الدفاع الجزائرية معلومات تفصيلية عن الاشتباكات، التي دارت يوم الخميس 27 يناير 2022، إذ لم يتضح ما إذا كانت الاشتباكات ناتجة عن عملية تمشيط لبعض المناطق جنوب البلاد، أو هجوم على قوات على بعض الدوريات العسكرية، ولكن يبدو على الأرجح أن الاشتباكات جاءت في إطار عمليات التمشيط والملاحقة للعناصر الإرهابية التي تنفذها قوات الجيش الجزائري.

وبالنظر إلى النطاق الجغرافي للاشتباكات يمكن التطرق إلى بعض الملاحظات، أولاً: تقع ولاية “إن قزام” في أقصى جنوب البلاد، على الحدود مع دولة النيجر، ثانياً: تتسم تلك المنطقة بأنها صحراوية كانت تعاني من حالات الإهمال، قبل أن يقرر الرئيس الجزائري في عام 2021 تحويلها إلى ولاية، مع الاهتمام بمشروعات التنمية.

وهنا فإن تلك الولاية التي شهدت الاشتباكات، بسبب موقعها القريب من الحدود مع النيجر، وطبيعتها الصحراوية، تمثل معبراً لتسلل عناصر إرهابية أو مهاجرين غير شرعيين عبر الحدود والاختباء في دروب الصحراء، إلا أنه -في الوقت ذاته- لم تشهد تلك الولاية عمليات ضد قوات الجيش أو المنشآت، بما يشير إلى أن حجم التهديدات ليس كبيراً ويمكن السيطرة عليه.

سياقات مهمة

تأتي الاشتباكات بين قوات الجيش الجزائري وعناصر إرهابية في أقصى الجنوب، على وقع عدد من السياقات بعضها يتعلق بالداخل الجزائري وأخرى بالمحيط الجغرافي لدول الجوار، وأبرزها:

1- شن عمليات عسكرية مستمرة: تُعلن الجزائر بين حين وآخر عن عمليات عسكرية وأمنية لملاحقة عناصر إرهابية على أكثر من نطاق جغرافي. فخلال شهر ديسمبر الماضي، نفذ الجيش الجزائري عمليات عسكرية لمكافحة الإرهاب ومحاربة الجريمة المنظمة عبر مختلف الأراضي الجزائرية على مدار أسبوع خلال الفترة من (22 – 28 ديسمبر 2021). وخلال مطلع شهر يناير 2022، جدد الجيش الجزائري العمليات العسكرية لمواجهة فلول الإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة، إذ أعلن توقيف 26 عنصر دعم للجماعات الإرهابية في عمليات منفصلة، إضافة لكشف وتدمير 13 مخبأ للجماعات الإرهابية وضبط 3 قنابل تقليدية الصنع بكل من محافظتي عين الدفلى والبويرة الواقعتين وسط البلاد.

2- تصنيف كيانات كمنظمات إرهابية: أدرجت الجزائر خلال شهر مايو 2021، كيانين على قائمتها للإرهاب، وهما حركة رشاد التي تأسست خلال عام 2007 وتضم في عضويتها شخصيات كانوا ينتمون إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ، إضافة إلى حركة “الماك” التي تأسست عام 2001 في فرنسا كحركة تسعى للانفصال. ومنذ ذلك الحين لجأت الأجهزة الأمنية والجيش إلى ملاحقة عناصر تابعة للحركتين، باعتبارهما على قائمة الإرهاب، لمنع زعزعة الاستقرار الداخلي. ومنذ تصنيف الحركتين، تُعلن السلطات الجزائرية عن تفكيك عدد من الخلايا التابعة لهما، وتوقيف عدد من المنتمين إليهما، كان آخرها خلال شهر نوفمبر الماضي.

3- نشاط إرهابي ملحوظ في إفريقيا: تتسم الحالة الأمنية في عدد من دول الجوار للجزائر بعدم الاستقرار الأمني، على خلفية تزايد العمليات الإرهابية وانتشار جماعات التمرد. وتشترك الجزائر في حدود مع مالي التي تشهد نشاطاً لعمليات جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، ضمن نطاق نفوذ فرع تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، إضافة إلى تنظيم “داعش”، وأيضاً تشترك في الحدود مع النيجر التي ينشط فيها تنظيم “داعش” ضمن ما يُسمى “ولاية غرب إفريقيا”، هذا مع الأخذ في الاعتبار المكون الجزائري البارز في فرع القاعدة في المغرب الإسلامي، التي يتزعمها جزائري هو يزيد مبارك، المعروف بـ”أبو عبيدة العنابي”. كما أن ثمة تهديدات تتعلق بنشاط تنظيم “داعش” في ليبيا، وإن كان نشاطه ليس كبيراً، لكنه يعزز من التحديات الأمنية التي تواجه الجزائر.

4- الانسحاب الفرنسي المُحتمل من مالي: يتزامن مع العمليات العسكرية الجزائرية لملاحقة الإرهابيين، الخلافات بين فرنسا ومالي حيال دور القوات الفرنسية في دعم القوات الحكومية لمواجهة الجماعات الإرهابية، خاصة عقب تخفيض فرنسا عدد قواتها وإعادة الانتشار في مالي، ويتصل بذلك احتمالية تزايد معدلات العمليات الإرهابية عقب هذه الخطوات الفرنسية. وأخيراً، صرحت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي، بـ”أن بلادها لا يمكنها البقاء في مالي بأي ثمن”، في ظل العلاقات الشائكة مع المجلس الانتقالي هناك، والاتجاه إلى التعاقد مع شركة “فاغنر” الأمنية الروسية لدعم عمليات مواجهة التنظيمات الإرهابية.

5- التنسيق الجزائري مع موريتانيا: بدأت الجزائر في زيادة التنسيق مع موريتانيا وتحديداً على المستوى الأمني فيما يتعلق بضبط الحدود بين الدولتين خلال عام 2021، ووقع الجانبان على مذكرة تفاهم لإنشاء لجنة ثنائية حدودية بين البلدين، في أبريل 2021، يتعلق دورها بمهام أمنية لضبط الحدود، وأخرى اقتصادية لتنشيط التبادل التجاري، خلال زيارة وزير الداخلية الجزائري إلى العاصمة الموريتانية نواكشوط، وبدأت هذه اللجنة في تفعيل أعمالها خلال دورتها الأولى في نوفمبر 2021، وأعقب ذلك زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى الجزائر، في ديسمبر 2021، ووقع الجانبان على عدة اتفاقيات تعاون متنوعة شملت عدة مجالات.

أبعاد متعددة

في ضوء تحديد أبعاد التهديدات الأمنية والسياقات الداخلية في الجزائر، إضافة إلى تحديات الاضطرابات في دول الجوار، يمكن تحديد دوافع العملية العسكرية والاشتباك مع عناصر إرهابية جنوب البلاد، كالتالي:

1- مواجهة أي تهديدات داخلية محتملة: تأتي الاشتباك الأخيرة على الحدود الجنوبية مع النيجر، في إطار أوسع، يتعلق بتكثيف جهود قوات الجيش والشرطة، لملاحقة العناصر المنتمية لحركات وجماعات إرهابية، بعضهم كان يُصنف باعتباره جزءاً من المعارضة أو حركة استقلال، وبالتالي فإن الجزائر يُمكن أن تواجه تحديدات لا تتعلق فقط بالتنظيمات الجهادية وحالة الإرهاب في القارة الإفريقية فقط، وإنما أيضاً بتهديدات محتملة نتيجةً لتصنيف حركتي “رشاد” و”الماك” إرهابيتين، مع إمكانية لجوء بعض عناصر الحركتين إلى ممارسة العنف بصورة ممنهجة. وهنا فإن العمليات العسكرية والأمنية تعكس رغبة في مواجهة أي تهديدات داخلية محتملة، يُضاف إلى ذلك إمكانية تجنيد التنظيمات الجهادية لعناصر من الداخل لتنفيذ عمليات إرهابية.

2- تأمين الحدود الجنوبية: تُشير الاشتباكات الأخيرة إلى التهديد الذي قد يواجه الجزائر عبر الحدود مع النيجر، بالنظر إلى طبيعة المنطقة التي شهدت المواجهات بين عناصر إرهابية وقوات الجيش التي تُعتبر بيئة مناسبة نظرياً لانتقال عناصر إرهابية من وإلى الجزائر، إضافةً إلى عصابات الجريمة المنظمة للتجارة في المخدرات وعصابات تهريب البشر. وفي ضوء ذلك، يبدو أن الجزائر تتجه للتركيز على مراقبة الحدود مع النيجر، على خلفية مناخ عدم الاستقرار، سواء في شرق النيجر أو غربها.

3- منع ارتدادات موجة الإرهاب في إفريقيا: تواجه الجزائر تحديدات كبيرة على مستوى مناخ عدم الاستقرار في دول الجوار، بما قد ينعكس على الحالة الأمنية الداخلية مستقبلاً، وبالتالي يمكن فهم العمليات العسكرية وحالة الاستنفار في إطار منع ارتداد موجة العنف في القارة على الجزائر، من خلال ضبط الحدود وتشديد الإجراءات وملاحقة العناصر الإرهابية، مع الإقدام على تفعيل ذلك مع موريتانيا خلال العام الماضي في إطار من التنسيق الثنائي. وهنا تجدر الإشارة إلى تصريحات قائد أركان الجيش الجزائري الفريق السعيد شنقريحة، في أبريل 2021، التي حذر فيها من مخططات جماعات إرهابية تنشط في منطقة الساحل الإفريقي لتحويل صحراء الجزائر إلى ملاذ آمن لهم، خلال كلمة بأحد المقرات العسكرية في ولاية تمنراست على الحدود مع مالي.

4- تداخل الأبعاد السياسية مع الأبعاد الأمنية: وبخلاف مواجهة الجزائر لأي تحديات أمنية، ربما تتجه الجزائر إلى تفعيل دورها بصورة أكبر خلال الفترة المقبلة على مستوى دول الجوار، عبر ملف مواجهة الإرهاب، لمعادلة النفوذ المغربي المتزايد في محيطها الجغرافي، اعتماداً على الانخراط في ملف مواجهة الإرهاب في دول الساحل والصحراء، وهي تلك المنطقة التي تشهد نشاطاً متزايداً للعمليات الإرهابية، وهنا يمكن النظر إلى التنسيق مع موريتانيا على مستوى ضبط الحدود، إضافة إلى توقيع اتفاقيات بين الجانبين خلال زيارة الرئيس الموريتاني للجزائر ديسمبر 2021، مع الإشارة إلى زيارة وزير الخارجية الجزائري إلى النيجر ومالي وموريتانيا خلال شهر سبتمبر 2021، بما يعني زيادة التحركات الجزائرية لزيادة الانخراط في التعاطي مع هذا الملف.

تحدٍّ ضاغط

وأخيراً، تمثل الأوضاع غير المستقرة في دول الجوار للجزائر تحديات أمنية كبيرة، بالشكل الذي ينعكس على تزايد العمليات العسكرية على أكثر من اتجاه لضبط الحدود ومنع تسلل عناصر إرهابية، والذي يتوقع أن تستمر حالة الاستنفار خلال الفترة المقبلة، لمنع أي ارتدادات لموجة الإرهاب التي تشهدها القارة الإفريقية إلى الجزائر، إضافة إلى مواجهة أي تهديدات داخلية محتملة بعد تصنيف حركتي “الماك” و”رشاد” كمنظمتين إرهابيتين.